صراع العقل الإنساني والكومبيوتر بين «كاسباروف» و«فرتيز» على رقعة شطرنج تخيلية
هزيمة البطل البشري أمام كومبيوتر «ديب بلو» لم تكن نهاية الصراع لكنها البداية فقط فبرنامج «آي بي إم» ليس هو الأفضل
نيويورك: سيث شيشل *
هل تستطيع نظارة الرؤية المجسمة ثلاثية الأبعاد جذب حبل «البلاي ستيشن» للشطرنج؟ عندما لعب غاري كاسباروف بطل العالم في الشطرنج مع برنامج «ديب بلو" للشطرنج، الذي أنتجته شركة «آي بي أم» عام 1997، كان اللقاء بينهما تذيعه أغلب المحطات الإعلامية في العالم. ولكن أخيراً بدأ كاسباروف مباراة جديدة في نيويورك ضد برنامج جديد للشطرنج يعرف باسم «أكس ثري دي فرتيز» وهو برنامج جديد متطور كثيراً عن برنامج «ديب بلو». ورغم تزايد أعداد المتابعين والمتفرجين إلا أن المباراة مازالت بعيدة عن عناوين الأخبار والشبكات الإعلامية باستثناء محطة «أي أس بي آن» الثانية الرياضية. فماذا حدث؟ بالطبع فإن من أهم أسباب هذا التجاهل الإعلامي وجزء كبير من مشكلة لعبة الشطرنج، هو خسارة كاسباروف للمباراة التي لعبها ضد الكومبيوتر في عام 1997، بعد أن فاز في المباراة الأولى التي لعبها ضد نفس البرنامج «ديب بلو» عام 1996، فهذه الخسارة أثرت سلباً على الشركات الكبرى التي كانت ترعى هذه المباراة، ولم تعد لديهم نفس الحماسة لابتكار آلة يمكنها أن تهزم البطل العالمي.
ولكن فتور الحماس لم تصب به شركة واحدة، هي «أكس ثري دي» للتقنية وهي شركة خاصة تصنع أجهزة العرض ثلاثية الأبعاد، وترعى المباراة حالياً. والجديد هذه المرة في المباراة بين الإنسان والآلة، أن كاسباروف يرتدي خلال اللعب نظارة مجسمة يتابع بها شاشة الكومبيوتر، وتعتمد طريقة اللعب على أن ينطق كاسباروف بكل حركة يقوم بها فتظهر الحركة إلى الشاشة الإلكترونية بدلاً من تحريك البطل العالمي لها بيديه كما كان الحال في السابق. وقد يتصور البعض الأمر كخدعة لكن الأمر لا يشبه مباريات الملاكمة الاحتفالية التي تذيعها محطة فوكس، فكاسباروف يبدو هذه المرة في كامل طاقته مصمماً على هزيمة الآلة.
ورغم أن النظارة المجسمة قد تجعل الأمر يبدو على غير حقيقته، وتبدو الآلة كما أنها ذات إحساس وإدراك، لكن الحقيقة أن الأجيال الأحدث من برامج ألعاب الشطرنج ومنها فيرتز لاين، وهو برنامج وضعه مضمون ألمان، وبرنامج «ديب جونيور» وهو تصميم إسرائيلي، متطورة جداً عن الأجيال من آي بي أم. وفي الجولة الافتتاحية التي أجريت في الثامن عشر من الشهر الماضي، والتي كان أغلب جمهورها من هم دون العشرين أو فوق الخمسين استطاع كاسباروف أن يحسم الجولة لصالحه، لكن مازالت هناك جولات أخرى لابد من استكمالها في نادي نيويورك الرياضي، حيث تجري أحداث المباراة التي سيحصل كاسباروف على 200 ألف دولار في حالة فوزه بها، و175 ألف في حالة الانسحاب و150 ألف دولار في حالة خسارته.
وفي مقابلة صحافية أجريت مع بطل الشطرنج العالمي أثناء المباراة التي انتهت بالتعادل، تحدث كاسباروف عن المباراة، حيث وجهت إليه بعض الأسئلة، كان من بينها:
* عندما لعبت المباراة الثانية عام 1997، كان العالم كله يتابعها فماذا حدث هذه المرة، وهل لديكم تفسير لذلك؟
ـ في تلك المرة كانت «آي بي أم» عن بكل ما تمثله من قوة هي الراعي الرسمي للمباراة، وبالتالي كانت تساندها بكل قوتها حتى أصبحت المباراة هي الحدث الأهم في العالم، وعندما انتهت المباراة لصالح الكومبيوتر، أعلنت «آي بي أم» عن أن الصراع بين الإنسان والكومبيوتر حسم وانتهى، وبهذا أضرت الشركة بلعبة الشطرنج، فلم تكن تلك هي النهاية لكنها البداية فقط، والدليل على ذلك أن برامج ديب جونيور وديب فيرتز أكثر تطوراً من برنامج آي بي أم.
* وفي اعتقادك لماذا أصبحت مباريات الشطرنج بين الإنسان والكومبيوتر تلقى إقبالا أكثر من المباريات بين الإنسان والإنسان؟
ـ لأن الشطرنج ميدان فريد من نوعه للصراع بين الكومبيوتر والإنسان، فالمنطق الإنساني والخيال والذكاء كل هذا في مواجهة عمليات حسابية ومعارف تراكمية وضعها الإنسان نفسه، وهكذا ففي الشطرنج يمكننا المقارنة بين هذين الأمرين لنجدد مستقبلنا، فهل سيقهر الكومبيوتر العقل الإنساني أم أنه يستطيع النجاة بنفسه؟
* عندما رآك الناس بنظارة مجسمة هذه المرة اعتقدوا أن الأمر يشبه الخيال أو الخديعة فما رأيك؟
ـ بهذه النظارة تصبح المباراة مثل لعبة نينتندو الشهيرة، ولكن الفارق هو أن العقل موجود في هذه المرة فأنا اليوم أواجه أقوى برنامج للشطرنج في العالم، وأنا أحاول ألا أنخدع بأي شيء، بل أركز لأحدد الخطوة التالية.
* مع وجود النظارة والمساحة بينك وبين الخصم، ألا تشعر بالتشتت؟
ـ انه تشتت كبير جداً، لكنه ينقل الشطرنج إلى مستوى جديد، ومحطة «أي اس بي أن» مهتمة بالبث، وبالتالي فهذه مسألة تفيد الشطرنج وتضيف لشعبيته، وأنا متخوف جداً من تأثير التشتيت على نقلاتي، لكنها تجربة مشوقة مدتها ساعتين أو ثلاث أو أربع، لنعرف فيها كيف تتصرف عقولنا تحت أشد الضغوط وطأة، وطبيعي فأثناء اللعب أنت تعرق وتتعب، لكن الشطرنج مازال أمامك وتسجل الحركات في ورقة، وبالتالي فهي نفس البيئة التي تعودت عليها، والمشكلة بالنسبة لي هي فكرة أنها بيئة تخيلية وليست حقيقية، وهي ما يحتاج من عقلي مجهودا للتركيز، وأخاف أن يؤخر هذا نقلاتي.
* وهل تحتاج للشاشة في الأساس؟
ـ في الحقيقة لا أحتاج لها، فربما كنت أمتلك أفضل كومبيوتر في عقلي، مقارنة بلاعبي الشطرنج الآخرين ويمكنني وضع التوازنات الطويلة وتخيل العديد من النقلات، ويمكنني إغماض عيني وأتخيل الشاشة، لكن هذا يؤثر على التركيز وأنا بحاجة لتركيزي بالكامل.
* المباراة التي تلعبها ليس لها شبيه بين الألعاب الأخرى التي يمكن لعبها في المنزل، ألا تخشى من عدم استطاعة المشاهدين فهم ما يدور حولهم؟
ـ على الإطلاق فبفضل الكومبيوتر أصبح كل شيء سهلاً، فمن قبل كنا نتخيل أن نقلة ما عبقرية، ولكن اليوم وبفضل الكومبيوتر أصبح بإمكانك الضغط على زر صغير فيحلل لك النقلة وتعرف مستواها، وحتى المعلقين على المباراة في التليفزيون أصبح بإمكانهم الضغط على زر صغير ليحلل لهم النقلة التي لم يفهموها.
* وبالنسبة للشطرنج نفسه فكيف يلعبه الكومبيوتر؟
ـ الحقيقة أن هذه المرة تطور البرنامج جداً، وأضيفت له معلومات كثيرة فلم يعد من السهل خداعه في الافتتاح بحيث نضعه في موقف سيئ منذ البداية، إذ درس المصممون نقاط الضعف وتغلبوا عليها، فقد كانت المشكلة الأكبر من قبل هي المرونة، فلو قلت للكومبيوتر ان القاعدة الأساسية هي الحفاظ على سلامة الملك سيراعي هذه القاعدة مهما كان الوضع ولن يتعامل بمرونة أبداً، ولكن برنامج ديب جونيور لديه قدرة أكبر على التضحية عن البرنامج الأول، وهي ميزة إضافية، وفيرتز برنامج قوي وأكثر توازناً، واستطاع المصممون استيعاب الخبرة الإنسانية في تصميمه.